مرثية إلى أبي فهر – أبو همام

مَرْثِيَّةٌ إِلَى أَبِي فِهْرٍ
لأبي همام
عبد اللطيف عبد الحليم

[highlight]حققتها ودققتها ليتبين لكم أن أبا همام (1945-2014) -رحمه الله!- لو رثى نفسه لم يتجاوز ما رثى به أستاذنا أستاذ الدنيا محمود محمد شاكر (1909-1997) -رحمه الله!- ولأسرع أنا بها إلى تعزيتكم حتى أنظر في شأني ما أصنع![/highlight]

1 صَوَّحَ نَادِيهِ وَانْطَوَتْ كُتُبُهْ يَا رَاحِلًا لَيْتَ صِدْقَهُ كَذِبُهْ
2 قَدْ أَعْنَقَتْ لِلْمَنُونِ رِحْلَتُهُ وَأَوْغَلَتْ فِي يَقِينِهِ رِيَبُهْ
3 وَاشْتَعَلَ الْحُزْنُ فِي الْعُرُوقِ فَمَا يُعْرَفُ إِلَّا بِدَفْقِهَا لَهَبُهْ
4 وَطَفِئَ الدَّمْعُ فِي الْعُيُونِ وَقَدْ كَانَ سُلُوًّا أَنْ يَنْهَمِي صَبَبُهْ
5 انْتَهِبِى يَا شُجُونُ أَفْئِدَةً كَانَ مُنَاهَا الْفِدَاءُ تَنْتَهِبُهْ
6 يَحْصُدُنَا الْمَوْتُ كَيْفَ لَا كَيْفَ وَالْمَوْتُ وَشِيكٌ حَيَاتُنَا سَبَبُهْ
7 نَقْتَاتُ بِالْمَوْتِ كَيْفَ يَقْتَاتُنَا الْمَوْتُ وَمَا غَالَ طَاعِمًا سَغَبُهْ
8 إِخَالُنَا لِلْفَنَاءِ يَخْلُقُنَا اللَّهُ وَمَا يَنْقَضِي بِنَا عَجَبُهْ
9 أَوْ أَنَّنَا وَاهِمُونَ لَا نَعْرِفُ الْعَيْشَ وَلَا الْمَوْتُ تَخْتَفِي حُجُبُهْ
10 يَغْلِبُنِي الْوَهْمُ كَيْفَ يَرْحَلُ مَحْمُودٌ وَكَيْفَ الْمَنُونُ تَغْتَصِبُهْ
11 أَذَلِكَ الْوَجْهُ غَالَهُ رِيَبٌ أَذَلِكَ الْعَقْلُ تَنْطَفِي شُهُبُهْ
12 لِلتُّرْبِ يَا لَلْخِذْلَانِ يُخْلَقُ هَذَا الْخَلْقُ مَا جِدُّهُ وَمَا لَعِبُهْ
13 لِلتُّرْبِ يَا لَلْهَوَانِ يُخْلَقُ هَذَا الْخَلْقُ مَا حَظُّهُ وَمَا أَرَبُهْ
14 مَحْمُودُ ضَلَّ السُّؤَالُ وَانْشَعَبَ الْفِكْرُ وَقَدْ زَادَ حَيْرَةً شُعَبُهْ
15 فَهَلْ تَرُدُّ السُّؤَالَ أَحْسَبُهُ الْآنَ يَسِيرًا مَجْلُوَّةً سُحُبُهْ
16 أَمْ إِنَّنَا وَاهِمُونَ لَا يَكْشِفُ الْمَوْتُ سُؤَالًا يَؤُودُنَا وَصَبُهْ
17 مَحْمُودُ أَنْتَ السُّؤَالُ تَعْرِفُهُ مَحْمُودُ أَنْتَ الْجَوَابُ تَحْتَجِبُهْ
18 أَيْنَ يَرَاعٌ كَالْبَرْقِ يَسْتَرِقُ الْغَيْبَ عَصِيًّا فَيَنْجَلِي غَيَبُهْ
19 يُشْعِلُ فِينَا الرِّيَاحَ عَاصِفَةً وَقَدْ تَهَاوَتْ بِحَائِرٍ طُنُبُهْ
20 أَيْنَ لِحَاظُ الْعُقَابِ لِلْأَبَدِ السَّاكِنِ لَا تَتَّقِيهِ تَجْتَذِبُهْ
21 يَهْرُبُ مِنْهَا الْبُغَاثُ يَخْتَانُهَا الرِّيشُ مَهِينًا يَصُونُهُ هَرَبُهْ
22 وَأَنْتَ بَيْنَ الزِّحَامِ لَا لَقَبٌ يَحْمِيكَ إِنْ حَاطَ هَيِّنًا لَقَبُهْ
23 مُؤْتَنِسًا أَنْتَ بِالتَّوَحُّدِ بِالْفَنِّ رَفِيعًا بِالْوُدِّ تَحْتَقِبُهْ
24 بِالْحَسَبِ الْعِدِّ بِالْجَهَارَةِ بِالرَّأْيِ إِذَا خَانَ خَائِفًا حَسَبُهْ
25 بِالسِّجْنِ بِالْأَسْرِ لَسْتَ مُنْحَنِيًا يُغْرِيكَ سَيْفُ الْمُعِزِّ أَوْ ذَهَبُهْ
26 بِالْوَطَنِ الْأُمِّ تَصْطَفِيهِ حِمًى بِسَلْسَبِيلِ الْبَيَانِ تَحْتَلِبُهْ
27 بِنَبْعَةٍ لِلشَّمَّاخِ بِالْمُتَنَبِّي نَسِيبًا يَزِينُهُ نَسَبُهْ
28 وَبِالْمَعَرِّيِّ لَيْسَ عُجْمَتُهُ تَشُدُّهُ بَلْ يَشُدُّهُ عَرَبُهْ
29 مُؤْتَنِسًا بِالشُّمُوخِ بِالْأَسَفِ الْعَاصِفِ بِالْمُسْتَحِيلِ تَطَّلِبُهْ
30 بِالْوُدِّ بِالْفِكْرِ بِالْبَدَاهَةِ بِالْحُبِّ نَفِيسًا بِصَفْوِهِ يَهَبُهْ
31 بَالنَّمَطِ الصَّعْبِ بِالْمُخِيفِ وَقَدْ أَقْعَى بِقَوْمِي مِنْ وَزْنِهِمْ خَبَبُهْ
32 هَانُوا فَهَانَ الشَّرِيفُ مِنْ نَغَمٍ وَطَالَ مِنْ بَعْدِ رَأْسِهِ ذَنَبُهْ
33 وَصَعَّرُوا خَدَّهُمْ بِلَا نَغَمٍ وَالنَّثْرُ نَثْرٌ وَإِنْ طَغَتْ كُتُبُهْ
34 كُنْتَ حَفِيًّا بِالْوَزْنِ بِالطَّرَبِ الْمَرْكُوزِ فِينَا يَهُزُّنَا طَرَبُهْ
35 أَكْسَبَكَ الْفَنُّ وَالتَّذَوُّقُ مَوْهُوبَ ذَكَاءٍ هَدَاهُ مُكْتَسَبُهْ
36 تَبْعَثُ رُوحَ الْآمَالِ فِي الْأَسَفِ النَّاغِرِ فِينَا يُرِيحُنَا تَعَبُهْ
37 تَرْفُضُ مِنَّا السُّكُونَ وَالْأَلَمَ الْقَانِطَ لَا يَسْتَثِيرُهُ غَضَبُهْ
38 رُزْئِيَ أَنَّ السُّكُونَ يَلْقَفُنَا وَأَنَّ نَهْرًا يَشِينُهُ عُشُبُهْ
39 وَأَنَّ نَهْرَ الْبَيَانِ تَعْصِرُهُ خَمْرًا سُلَافًا يَخُونُهُ عِنَبُهْ
40 تُعْجِبُنَا فِي الْكَلَامِ عُجْمَتُهُ وَأَنَّ وَزْنَ الْكَلَامِ نَجْتَنِبُهْ
41 رُوحُكَ فِينَا كَالنُّورِ سَارِيَةً وَإِنْ طَوَتْنَا مِنْ دَهْرِنَا نُوَبُهْ
42 ابْقَ بِنَا كَالرُّعُودِ يَعْقُبُهَا الْغَيْثُ حَفِيًّا فَخَيْرُهُ عَقِبُهْ
43 وَارْحَلْ بِنَا لِلْبَيَانِ مَا عَرَفَ النَّاسُ بَيَانًا يَصُونُهُ عَرَبُهْ
44 وَارْحَلْ بِنَا لِلْأَقْوَاسِ عَذْرَاءَ لَمْ يُطْمَسْ لَهَا مِنْ بَرِيقِهَا ذَهَبُهْ
45 وَاغْضَبْ لَنَا لِلسَّلَامِ نَطْلُبُهُ إِنْ كَانَ سِلْمًا يَسُوؤُنَا طَلَبُهْ
46 مَا رَحَلَتْ مِنْكَ فِكْرَةٌ نَبُهَتْ ضِيَاؤُهَا فِي سَمَائِنَا شُهُبُهْ
47 مَقْهُورَةٌ بِالْأَسَى مَدَامِعُنَا يَحْرِقُهَا مِنْ وَدَاعِهِ لَهَبُهْ
48 يَا بَرَّدَ اللهُ مَضْجَعًا سَخِنَتْ بِهِ عُيُونٌ تَبِيتُ تَحْتَسِبُهْ
49 مَا صَوَّحَتْ مِنْ نَادِيكَ زَهْرَتُهُ يَا رَاحِلًا لَيْسَ تَنْطَوِي كُتُبُهْ

Related posts

Leave a Comment